ما أجمل تلك القصة التي نرويها لاطفالنا قبل النوم ، لترسخ في عقولهم فكرة وهدفا ساميا ، لتعلمهم شيء وفكرة جديدة دون ألزامهم بتنفيذها ، لتترسب في عقلهم الباطن ليحاولوا تحقيقها إنها حقا شيء هام ومفيد أن تقص على مسامع طفلك حكاية مفيدة لها هدف وغرض قبل أن ينام ليحلم بها في نومه ويحاول تحقيقها.
يحكى أنه كان هناك في قديم الزمان توأمان يعيشان معا في سعادة غامرة، ولكنه بيوم من الأيام فقدا هذه النعمة نعمة السعادة لفقدهما والدتهما، حينها قرر الأب الزواج من أجل أطفاله، وبالفعل تزوج من امرأة تدعى “جومانا”، والتي كانت تعامل الطفلين بكل قسوة وعنف، ولا تعرف معهما لللين سبيلا، عانا الطفلان من سوء معاملتها الدائمة لهما ولكنهما كان حسنا الخلق، فقد كانا يبادلانها الحب بكراهيتها المفرطة.
وبهذه السنة لم تمطر السماء وبسبب ذلك قل المحصول الذي يدخره الأب بمنزله من أجل تأمين الغذاء طوال العام، كانت زوجة الأب دائمة التفكير في التخلص من الصغيران، لذلك أقنعت والدهما بأن يتركهما في الغابة وإن لم يفعل ذلك فسيتوجب عليه مشاهدتهما يموتان أمام عينيه، فاضت الدموع من عيني الأب، ولكنه في النهاية نفذ ما أمرته به زوجته.
أثناء حديثهما سويا سمعهما الصغيران، فقد كانا يتضوران جوعا؛ الطفلة: “هل سيوافق أبانا على تركنا في الغابة المخيفة بين حيواناتها المفترسة؟!”، وشرعت في البكاء.
أخاها: “لا، لن يتركنا، لا تخافي ولا تحزني إنني معكِ لن أترككِ أبدا”، فرحت الطفلة بوعد أخيها لها.
في الصباح الباكر عزمت امرأة الأب على تنفيذ خطتها، فأيقظت الطفلين قبل شروق الشمس، كان قبلها قد استيقظ الطفل وجمع الكثير من الصخور الصغيرة ووضعها بحقيبته، فقد كانت لديه خطة يريد أن ينفذها أيضا؛ أعطت زوجة الأب لكل واحد منهما رغيفا من الخبز وحذرتهما من أكله قبل موعد الغداء، وذهب جميعهم إلى الغابة، هناك أوقد الأب النار لتدفئة صغيريه، ومن ثم أخبرتهما زوجة أبيهما أنها ستذهب مع والدهما لكي يقوما بقطع بعض الأشجار، وألا يغادرا مكانهما حتى يأتيا إليهما، وأن يحافظا على النار المشتعلة حتى عودتهما بعد الانتهاء من عملهما، قامت زوجة الأب بربط قطعة خشبية كبيرة بحبل، وقامت بتعليقها بإحدى الأشجار الضخمة، وكانت الرياح كلما هبت تحركها بين الأشجار الأخرى فتصدر صوتا يتمثل كأنهما حقيقة يقطعان أشجار الغابة.
انتظرا طويلا حتى حل الظلام، ومن كثرة تعبهما ناما، وقبل شروق الشمس استيقظ الطفل وأيقظ شقيقته، واتبعا الصخور الصغيرة إلى أن عادا إلى منزلهما، ظهرت السعادة والفرحة على وجه والدهما الذي لم ينم طوال الليل خشية أن يكون قد مسهما سوء.
وفي صباح اليوم التالي أصرت زوجة الأب على تنفيذ خطتها في التخلص من صغيري زوجها، أيقظتهما باكرا ولم تخبر والدهما بذلك، وأعطت لكل واحد منهما رغيف خبز، وانطلقت بهما في الغابة؛ في هذه المرة لم يتمكن الطفل من جمع بعض الصخور ولم يجد أمامه سوى إلقاء قطع صغيرة من رغيف الخبز.
أول ما وصلت بهما زوجة أبيهما إلى الغابة تركتهما وعادت، حاولا العودة ولكن العصافير كانت قد أكلت كل الفتات، حاولا ولكنهما فشلا، أخذا يرويان عطشهما من قطرات الندى ويأكلان من ثمار الأشجار، مضى عليهما ثلاثة أيام على هذا المنوال، كانا إذا حل بهما الظلام هيأ لهما رعبهما كل الأشياء من حولهما على غير طبيعتها الحقيقية.
وأثناء سيرهما بالغابة وجدا بيتا من الحلوى، اقتربا منه ومن شدة جوعهما أكلا من جدرانه، حينها ظهرت امرأة عجوز من المنزل، اعتذرا الصغيران عما بدر منهما، لكن العجوز أدخلتهما المنزل وأخذت تطعمهما الطعام الشهي والحلويات اللذيذة، ظنا أنها طيبة القلب ولكنها كانت تضمر لهما في نفسها الشريرة كل السوء؛ وبالليل جعلتهما يناما على سرير مريح للغاية.
وفي الصباح أخذت الطفل ووضعته في غرفة صغيرة للغاية، وجعلت شقيقته تحضر لها الماء من أجل طهي الطعام وإعداد الحلويات من أجله، أخذت تطعمه لمدة شهر بهدف أن يسمن وتأكله؛ كان الطفل متقد الذكاء بكل مرة تطلب فيها العجوز يده لتلمسها نظرا لأنها ضعيفة البصر، كان يستغل هذه النقطة ويعطيها عظمة بدلا من يده، فتؤجل ذبحه إلى أن يسمن ويصبح مليئا باللحم.
بكل يوم كانت تبكي الطفلة على شقيقها، وبيوم عزمت النية على الخلاص من هذه الشريرة وإنقاذ أخاها منها؛ كانت حينها الشريرة تنوي على أكل أخيها فأوقدت التنور، فدفعتها الطفلة في التنور وفارقت العجوز إثرها الحياة، وأخرجت أخاها من سجنه وقبل أن يرحلا أخذا مجوهرات العجوز، ومازالا يبحثان عن منزلهما حتى وجداه.
عندما عادا وجدا أباهما قد بحث عنهما طويلا وعندما يأس جلس في انتظارهما على أمل أنهما سيعودان إليه يوما، أما عن زوجة والدهما فقد فارقت الحياة هي الأخرى بسبب شدة بخلها فقد خشيت على نفاذ الطعام والشراب من البيت، فلم تأكل ولم تشرب حتى ماتت من شدة الجوع.
وعاش جميعهم في سعادة غامرة…