ما أجمل تلك القصة التي نرويها لاطفالنا قبل النوم ، لترسخ في عقولهم فكرة وهدفا ساميا ، لتعلمهم شيء وفكرة جديدة دون ألزامهم بتنفيذها ، لتترسب في عقلهم الباطن ليحاولوا تحقيقها إنها حقا شيء هام ومفيد أن تقص على مسامع طفلك حكاية مفيدة لها هدف وغرض قبل أن ينام ليحلم بها في نومه ويحاول تحقيقها.
ذات مساء نظر الخرتيت إلى كمية كبيرة من الحشائش يخزنها في منزله فشعر بالسعادة وقال : إن هناك أزمة في الطعام بين الحيوانات في هذه الأيام ، فقد تأخر المطر ، وقل العشاب ، ثم قال في نشوة وسعادة : سوف أعيش في رفاهية ، إنه لشيء جميل أن تنفرد بالسعادة.
وفي الصباح قامت الغزالة من نومها فلم تجد طعامًا تأكله ، قالت : لعلي أجد شيئًا يسد رمقي عند جارتي الزرافة … طرقت الغزالة باب جارتها الزرافة وقالت : السلام عليكم يا جارتي الزرافة.
– وعليكم السلام .
– أنا أسفة لمجيئي إليك في هذا الوقت ، ولكني جائعة جدّا وليس عندي ما آكله ، فهل يمكن أن تعطيني شيئًا من الحشائش التي عندك ؟
دمعت عينا الزرافة وقالت: مرحبًا بك يا جارتي العزيزة، ولكني والله لم أجد ما آكله منذ أمس وقد بت ليلتي جائعة، هيا بنا سويًّا نبحث عن شيء نأكله.
انطلقت الجارتان للبحث عن شيء تأكلانه ، وفي طريقهما مرا بيت القرد فسألتاه عن طعام ، فأجاباهما أنه لا يملك إلا القليل من الموز والفول السوداني ودعاهما كي يشتكروا جميعًا في الأكل ، فاعتذرتا إليه بأنهما لا تأكلان إلا العشب .
قالت الغزالة : هيا نذهب لبيت جارنا الخرتيت .
ذهبت الصديقتان الجائعتان إلى بيت الخرتيت ، وطرقتا الباب .
– السلام عليكم يا صديقنا الخرتيت .
– وعليكم السلام ، أجاب الخرتيت وأخذ الخرتيت ينظر إليهم في توجس البخيل من الضيف .
– هل عندك من طعام فإننا جائعتان جدًّا؟ … تصنّع الخرتيت التعطف وقال : من أين لي بالطعام ؟ أنتما تعلمان أن المطر قليل والعشب شحيح هذه الأيام .
– شكرًا لك .
– عفوًا ليتني أستطيع مساعدتكم .
– انصرفت الغزالة والزرافة الجائعتان وقد بدتا هزيلتين والخرتيت ينظر اليهما وهو يحدث نفسه وكأنه يوجه حديثه إلي الحيوانات جميعًا : اذهبوا عني ودعوني استمتع بطعامي الوفير وحدي ، ثم قال لنفسه : ماذا أستفيد إن شاركوني الطعام ، وماذا يضرني إن ماتوا جمعًا من الجوع ؟ طعامي الوفير يغنيني عن كل الحيوانات ، ما أعظم سعادتك يا خرتيت !
ذهبت الغزالة والزرافة إلى النهرللشرب ، ولما رآهم فرس النهر قال فهما : ماذا بكما ؟ أراكما هزيلتين .
– لم نأكل شيئًا منذ أمس يا فرس النهر ، فالمطر قليل ، والعشب شحيح .
– توجد بعض النباتات المائية في جانب النهر هل يعجبكما الأكل منه ؟
– بالطبع فنحن جائعتان جدّا .
– سأحاول إحضار كمية كبيرة منه .
ذهب فرس النهر إلى جانب النهر وأخذ بجمع بعض النباتات المائية وأتى
بها اليهما وقال : تفضلا ، هذا ما استطعت أن أجمعه ، أرجو من الله أن يكفيكما .
– شكرًا لك يا فرس النهر هذا يكفي ويزيد ، وسوف نحمل الباقي معنا لأصدقائنا ، فنحن نعلم أنهم لا يجدون ما يأكلون هذا الأيام .
– فكرة جيدة ، وسوف أجمع أنا وأصدقائي كمية أخرى لمن أراد أن يأكل من الحيوانات ، فلا خير في الحياة بلا تعاون ، إني لا أتصور أن أستمتع بطعامي وأنا أعلم أن أصدقائي من الحيوانات البرية يعانون الجوع ، سوف أبذل كل ما في وسعي كي أساعدكم .
– جزالك الله خيرًا يا فرس النهر.
أخبر فرس النهر أصدقائه من الحيوانات المائية أن جيرانهم من الحيوانات البرية يعانو الجوع وقلة الطعام ، وطلب منهم جمع ما يستطيعون من النباتات المائية ووضعها على جانب النهر حتى تأكل منها الحيوانات البرية …وبالفعل تكونت فرقة عمل من الحيوانات المائية واخذوا يبذلون ما في وسعهم لمساعدة الحيوانات البرية … أشاع فعل فرس النهر وأصدقائه جوا من التعاون والطمأنينة بين الحيوانات ،وقل الخوف من الجوع … وبعد أيام قليلة نزل المطر غزيرًا ، فأصاب الأرض وأنبت العشب ، وأصاب المطر أيضًا مخزون الحشائش لدى الخرتيت
فأنبتت فيه الجراثيم والميكروبات ، وبدأ التعفن يظهر فيه ، ومع هذا أصر الخرتيت أن يأكل من مخزون الحشائش الفاسد فأصابه المرض ولم يستطع الخروج من بيته .
وخرجت الحيوانات تحتفل بنزول المطر وظهور الحشائش وانفراج الأزمة ، ملأت الفرحة القلوب وعم السرور وتبادلت الحيوانات التهاني ، لكن القرد لاحظ غياب الخرتيت فقال : هل رأيتم الخرتيت اليوم ؟ فقالت الغزالة : لا لم أره منذ فترة ، فقال القرد : إنه أمر مقلق أن يغيب الخرتيت عن احتفالنا هذا ؟ فقالوا جميعًا : نعم .
– إذن دعونا نذهب إلي بيته ونستكشف الأمر … وذهب وفد الحيوانات إلى بيت الخرتيت وطرقوا الباب .
-السلام عليكم يا خرتيت .
أجاب الخرتيت بصوت ضعيف :وعليكم السلام ، من بالباب ؟
– نحن جيرانك يا خرتيت افتقدناك فجئنا نسأل عنك .
قام الخرتيت بصعوبة وفتح الباب وقال : تفضلوا بالدخول ، أشرككم علي فعلكم الكريم .– هذا واجب علينا فنحن جيران .
– أنتم جيران وأصحاب طيبون ، ثم بكى الخرتيت وقال : إني قد منعت عنكم الزيادة من طعامي حتى فسد عندي وأصابني بالأمراض ، لقد ظننت أن الطعام الوفير سوف يغنيني عنكم ولن أحتاج إلى غيري ولكني عرفت الآن أن الحياة لا تصلح بغير تعاون في السراء والضراء … وهنا قسم الحيوانات بعضهم إلى فريقين.
حمل الفريق الأول الخرتيت إلى الطبيب ، وقام الفريق الثاني بتنظيف بيت الخرتيت من مخزون الحشائش الفاسدة، وقاموا بتهوية البيت وتعريضه للشمس …
وبعد أيام استرد الخرتيت عافيته ، وانطلق مع جيرانه وأصحابه يحتفلون بظهور العشب الأخضر الذي ملأ الغابة بالطعام السعادة ، واحتفلوا أيضًا بعودة الخرتيت إلى التعاون والحب