ما أجمل تلك القصة التي نرويها لاطفالنا قبل النوم ، لترسخ في عقولهم فكرة وهدفا ساميا ، لتعلمهم شيء وفكرة جديدة دون ألزامهم بتنفيذها ، لتترسب في عقلهم الباطن ليحاولوا تحقيقها إنها حقا شيء هام ومفيد أن تقص على مسامع طفلك حكاية مفيدة لها هدف وغرض قبل أن ينام ليحلم بها في نومه ويحاول تحقيقها.
تمنى عمران وزوجته أن يكونا لهما ولدا، وتشوقا لذلك بشدة، فدعيا الله مخلصين له الدين أن يرزقهما ذرية صالحة، ولما استجاب الله لدعائهما نذرت امرأة عمران ما في بطنها لخدمة المسجد الأقصى والقيام على رعايته.
ولما جاء موعد الوضع وجدتها أنثى، وجهت وجهها للذي فطر السموات والأرض وقالت كما جاء ذكره بالقرآن الكريم: ” فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ”، حملتها وذهبت بها للمسجد الأقصى حيث هناك أرادت بها الخير لتتربى وتنشأ على الطاعة وعبادة الله وحده منذ الصغر.
تقد سيدنا “زكريا” بكفالة “مريم” والقيام بتريبتها، ولكن تهاتف آخرون كثيرون بالأمر نفسه، وكل واحد منهم شعر وكأنه أحق واحد فيهم بكفالتها، كان سيدنا “زكريا” نجارا، وقد أراد بشدة كفالة “مريم”؛ اختلفوا أيهم يكفل “مريم” دونا عن غيره، وكان بالمعبد عابد هداه الله سبحانه وتعالى لحل ليفض النزاع والاختلاف بينهم، فقال لهم أجمعين: “نذهب جميعنا للنهر، وكل واحد يريد أن يكفل مريم يلقي بقلمه بالمياه، والقلم الذي يصير اتجاهه عكس اتجاه تيار المياه هو أحق واحد برعايتها وكفالتها”.
وبالفعل ذهبوا جميعا للنهر، والكل ألقى بقلمه في المياه، وكان النصيب لصالح سيدنا “زكريا”، قام سيدنا “زكريا” على رعايتها وتنشئتها، وقد خصص لها محرابا خاصا بها لتتعبد به، وبالفعل كانت تعبد ربها وتسبحه وتمجده وقليلا ما تخرج خارج المحراب.
كان سيدنا “زكريا” عليه السلام يقوم بزيارتها من حين لآخر، وبكل مرة زارها بها وجدها عندها الكثير من الأطعمة والفواكه، كانت هذه القصة تصيبه بالدهشة والفضول، وذات مرة سألها عليه السلام قائلا: “يا مريم أخبريني من أين لكِ بهذا الطعام وهذه الفواكه التي بغير ميعادها؟!”
ردت عليه السيدة مريم بابتسامة جميلة: “كل ذلك هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب”؛ وهناك دعا سيدنا “زكريا” ربه بعدما تعلم الدرس من السيدة “مريم” بقدرة الله سبحانه وتعالى على كل شيء، أن يرزقه الذرية الصالحة وقال: “قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ”.
وبيوم من الأيايم بينما كان سيدنا “زكريا” بالمحراب يتعبد ربه جاءت الملائكة تبشره بغلام اسمه يحيى، تعجب سيدنا “زكريا” من البشرى، وسأل بتعجب: “كيف يكون لي غلام وقد بلغ بي الكبر، وزوجتي عاقر؟!”؛ فأجابته الملائكة أن الله سبحانه قادر على كل شيء.
قال تعالى: ” فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ، قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ” صدق الله العظيم.
طلب سيدنا “زكريا” أن تكون له آية يستدل من خلالها على وجود أعراض الحمل عند زوجته، وقد أعطاه الله سبحانه وتعالى سئله، فجعل له آية وهي ألا يكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا؛ وبالفعل كان سيدنا “زكريا” عليه السلام لا يتحدث مع قومه على الإطلاق، وكان يحضر قلبه في كل وقت يسبح الله ويدعوه، ويدعو قومه لعبادته وتسبيحه.
قال تعالى في كتابه العزيز: ” قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ” صدق الله العظيم.
وبالفعل ولد سيدنا “يحيى” عليه السلام، وأقر الله سبحانه وتعالى بوجوده عين سيدنا “زكريا” عليه السلام وجبر قلبه بعد طول انتظار؛ وتوفي سيدنا “زكريا” حيث قتله بنو إسرائيل، ويقال أنه توفي ولم يقتل والعلم عند الله وحده سبحانه وتعالى.